سورة الأعراف - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


اللام لام القسم، قال الطبري أقسم الله تعالى أنه أرسل نوحاً، وقالت فرقة من المفسرين: سمي نوحاً لأنه كان ينوح على نفسه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، قال سيبويه: نوح ولوط وهود أسماء أعجمية إلا أنها حقيقة فلذلك صرفت، وهذه نذارة من نوح لقومه دعاهم إلى عبادة الله وحده ورفض آلهتهم المسماة وداً وسواعاً ويغوث ويعوق وغيرها مما لم يشتهر، وقرأ الكسائي وحده {غيرِه} بالرفع، وقرأ حمزة والكسائي {هل من خالق غير الله} خفضاً، وقرأ الباقون: {غيرُ الله} رفعاً والرفع في قراءة الجماعة هنا على البدل من قوله {من إله} لأن موضع قوله {من إله} رفع، وهو الذي رجح الفارسي، ويجوز أن يكون نعتاً على الموضع لأن التقرير ما لكم إله غيره، أو يقدر {غير} ب إلا فيعرب بإعراب ما يقع بعد {إلا}، وقرأ عيسى بن عمر {غيرَه} بنصب الراء على الاستثناء، قال أبو حاتم: وذلك ضعيف من أجل النفي المتقدم، وقوله {عذاب} يحتمل أن يريد عذاب الدنيا ويحتمل أن يريد به عذاب الآخرة.
و {الملأ} الجماعة الشريفة، قال الطبري: لا امرأة فيهم، وحكاه النقاش عن ثعلب في الملأ والرهط والنفر والقوم، وقيل هم مأخوذون من أنهم يملؤون النفس والعين، ويحتمل أن يكون من أنهم إذا تمالؤوا على أمر تم، وقال سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري عند قفول رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر إنما قتلنا عجائز صلعاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أولئك الملأ من قريش لو حضرت أفعالهم لاحتقرت فعلك» والملأ صفة غالبة وجمعه أملاء وليس من باب رهط وإن كانا اسمين للجمع لأن رهط لا واحد له من لفظه، وملأ يوجد من لفظه مالئ قال أحمد بن يحيى: المالئ الرجل الجليل الذي يملأ العين بجهرته فيجيء كعازب وخادم ورائح فإن أسماء جموعها عرب وخدم وروح، وإن كان اللفظة من تمالأ القوم على كذا فهي مفارقة باب رهط ومنه قول علي رضي الله عنه: ما قتلت عثمان ولا مالأت في دمه، وقال ابن عباس {الملؤ} بواو وكذلك هي في مصاحف الشام، وقولهم لنراك يحتمل أن يجعل من رؤية البصر، ويحتمل من رؤية القلب وهو الأظهر و{في ضلال} أي في إتلاف وجهالة بما نسلك.
وقوله لهم جواباً عن هذا {ليس بي ضلالة} مبالغة في حسن الأدب والإعراض عن الجفاء منهم وتناول رفيق وسعة صدر حسبما يقتضيه خلق النبوة، وقوله: {ولكني رسول} تعرض لمن يريد النظر والبحث والتأمل في المعجزة.
قال القاضي أبو محمد: ونقدر ولا بد أن نوحاً عليه السلام وكل نبي مبعوث إلى الخلق كانت له معجزة تخرق العادة فمنهم من عرفنا بمعجزته ومنهم من لم نعرف.
وقرأ السبعة سوى ابي عمرو {أبَلّغكم} بشد اللام وفتح الباء، بسكون الباء وتخفيف اللام، وقوله صلى الله عليه وسلم {وأعلم من الله ما لا تعلمون} وإن كان لفظاً عاماً في كل ما علمه فالمقصود منه هنا المعلومات المخوفات عليهم لا سيما وهم لم يسمعوا قط بأمة عذبت فاللفظ مضمن الوعيد.


هذه ألف استفهام دخلت على الواو العاطفة، والاستفهام هنا بمعنى التقرير والتوبيخ، وعجبهم الذي وقع إنما كان على جهة الاستبعاد والاستمحال، هذا هو الظاهر من قصتهم، وقوله: {على} قيل هي بمعنى مع، وقيل على حذف مضاف تقدره على لسان رجل منكم.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون المجيء بنفسه في هذا الموضع يصل ب {على} إذ كل ما يأتي من الله تعالى فله حكم النزول فكأنه {جاءكم} معناه نزل فحسن معه أن يقال {على رجل} واللام في {لينذركم} لام كي. وقوله {ولعلكم} ترجّ بحسب حال نوح ومعتقده لأن هذا الخبر إنما هو من تلقاء نوح عليه السلام.
وقوله: {فكذبوه} الآية، أخبر الله عنهم أنهم بعد تلطفه بهم كذبوه فأنجاه الله والمؤمنين به في السفينة وهي الفلك، و{الفلك} لفظ واحد للجمع والمفرد، وليس على حد جنب ونحونه، لكن فلك للواحد كسر على فُلك للجميع فضمة الفاء في الواحد ليست هي في الجمع وفعل بناء تكسير مثل أسد وأسد، ويدل على ذلك قولهم في التثنية فلكان، وفي التفسير: أن الذين كانوا مع نوح في السفينة أربعون رجلاً، وقيل ثمانون، وقيل عشرة، فهم أولاده يافث وسام وحام، وفي كثر من كتب الحديث للترمذي وغيره: أن جميع الخلق الآن من ذرية نوح عليه السلام، وقال الزهري في كتاب النقاش: وفي القرآن {ذرية من حملنا مع نوح} [الإسراء: 3].
قال القاضي أبو محمد: فيحتمل أن يكون سائر العشرة أو الأربعين حسب الخلاف حفدة لنوح ومن ذريته فتجتمع الآية والحديث، ويحتمل أن من كان في السفينة غير بنيه لم ينسل، وقد روي ذلك، وإلا لكان بين الحديث والآية تعارض، وقوله: {كذبوا بآياتنا} يقتضي أن نوحاً عليه السلام كانت له آيات ومعجزات، وقوله: {عمين} وزنه فعلين وهو جمع عم وزنه فعل، ويريد عمى البصائر، وروي عن ابن عباس أن نوحاً بعث ابن أربعين سنة، قال ابن الكلبي: بعد آدم بثمانمائة سنة، وجاء بتحريم البنات والأخوات والأمهات والخالات والعمات، وقال وهب بن منبه بعث نوح وهو ابن أربعمائة سنة، وقيل بعث ابن ثلاثمائة سنة، وقيل ابن خمسين سنة، وروي أنه عمر بعد الغرق ستين سنة، وروي أن الطوفان كان سنة ألف وستمائة من عمره صلى الله عليه وسلم، وأتى في حديث الشفاعة وغيره: أن نوحاً أول نبي بعث إلى الناس، وأتى أيضاً أن إدريس قبل نوح ومن آبائه وذلك يجتمع بأن تكون بعثة نوح مشتهرة لإصلاح الناس وحملهم بالعذاب والإهلاك على الإيمان، فالمراد أنه أول نبي بعث على هذه الصفة.


{عاد} اسم الحي، و{أخاهم} نصب ب {أرسلنا} [الأعراف: 59] فهو معطوف على نوح، وهذه أيضاً نذارة من هود عليه السلام لقومه، وتقدم الخلاف في قراءة {غيره} وقوله {أفلا تتقون} استعطاف إلى التقى والإيمان.
وقوله تعالى: {قال الملأ} الآية، تقدم القول في مثل هذه المقالة آنفاً، والسفاهة مصدر عبر به عن الحال المهلهلة الرقيقة التي لا ثبات لها ولا جودة، والسفه، في الثوب خفة نسجه، ومنه قول الشاعر: [الطويل] [ذي الرمة]
مشين كما اهتزت رماح تسفهت *** أعاليها مرُّ الرياح النواسم
وقولهم: {لنظنك} هو ظن على بابه لأنهم لم يكن عندهم إلا ظنون وتخرص.
وتقدم الخلاف في قراءة {أبلغكم} وقوله {آمين} يحتمل أن يريد: على الوحي والذكر النازل من قيل الله عز وجل، ويحتمل أن يريد: أنه أمين عليهم وعلى غيبهم وعلى إرادة الخير بهم، والعرب تقول: فلان لفلان ناصح الجيب أمين الغيب، ويحتمل أن يريد به أمين من الأمن أي جهتي ذات أمن من الكذب والغش.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12